كيف تخالفين زوجك
بقلم د.محمد رشيد العويّد
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي ﷺ يقول عند حفصة: (لايدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحدٌ من الذي بايعوا تحتها)، قالت: بلى يا رسول الله! فانتهرها النبي ﷺ، فقالت: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا… ﴾، فقال النبي ﷺ: (قد قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾). مريم 72. صحيح مسلم.
هذا الحوار القصير بين النبي ﷺ وزوجته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها فيه إضاءات للزوجين المتحاورين، من هذه الإضاءات:ضرورة حِلم الرجل على زوجته حين تعارضه في بعض أقواله وتُخالفه فيها وإن كان على حق في ما قال، فتلك المخالفة تكاد تكون عامة في النساء إلا قليلات منهن. لقد وجدنا أم المؤمنين حفصة تعترض على بشارة النبي ﷺ بعدم دخول النار لمن بايعه تحت الشجرة من الصحابة رضي الله عنهم جميعا، وإن كان النووي في شرحه صحيح مسلم لايرى في اعتراض حفصة مخالفة له ﷺ بل يرى فيه استرشادا للحق، والصواب فقال: فيه دليل للمناظرة والاعتراض والجواب على وجه الاسترشاد، وهو مقصود حفصة، لا أنها ردَّت مقالته ﷺ.
على أي حال فإن النووي رحمه الله أكد أن في كلام حفصة رضي الله عنها مناظرة واعتراضًا، لكن النية فيه هي الاسترشاد، وهذا ما أرجو من كل زوجة تريد معارضة زوجها في رأي أو أمر، أن تحرص على إبعاد نبرات التحدي والفوقيّة والاتهام من عباراتها التي تخالف بها زوجها، وأن تحرص على صياغتها بصيغة استرشادية، فهذا يجعل وقعها ألطف على سمع زوجها وعقله.هذه المناظرة _كما سماها النووي رحمه الله_ بين النبي ﷺ وزوجته حفصة لم تكن من كلامهما، بل كانت بالقرآن الكريم، إذ قالت حفصة بعد أن انتهرها النبي ﷺ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا… ﴾، فردّ عليها النبي ﷺ بالقرآن الكريم أيضًا فذكر الآية التي تليها: (قد قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾)،وفي هذا توجيه للأزواج، بل لغيرهم أيضًا، أن يكون مرجعهم دائمًا كتاب الله تعالى وسنة نبيِّه ﷺ.
وواضح أن الآية الكريمة تشير إلى أن كل إنسان سَيَرِدُ جهنم، لكن الورود غير الدخول، ومن ثَمَّ فإن الآية لاتُخالف حديثه ﷺ بأن من بايع تحت الشجرة لن يدخل النار، يقول النووي: والصحيح أن المراد بالورود في الآية: المرور على الصراط، وهو جسر منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون.
ولقد جاء في التفسير: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا… ﴾ أي: ما مِنَ الناس أحد إلا سوف يَرِد إلى النار، والورود هو المرور على الصراط ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أي: اتقوا ما يوجِب النار وهو الكفر بالله ومعاصيه، فالذين يتقون الله ينجيهم الله من الوقوع في النار، فيمرُّون على الصراط بإيمانهم وأعمالهم، ﴿وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾ يبقون فيها جاثين على رُكَبهم لايستطيعون الخروج.
أما قوله ﷺ: (إن شاء الله) بعد قوله: (لايدخل النار) ليس للشك، بل لردّ المشيئة في كل شيء إليه سبحانه، وعملًا بأمره سبحانه في ذلك.قال النووي: قال العلماء معناه لايدخلها أحد منهم قطعًا كما صرّح به في الحديث الذي قبله حديث حاطب (وفيه أن حاطبًا لايدخل النار لأنه شهد بدرًا والحُديبية)، وإنما قال: إن شاء الله للتبرك، لاللشكّ.
وبعدُ فإني أوصي الزوجة، استرشادًا بالحديث، بما يلي:- احرصي على أن تكون مخالفتك لزوجك في رأيه أو قوله في صيغة الاستفهام، كأن تقولي له: ألا يُخالف هذا ما جاء في القرآن؟ أو ما جاء في السنة؟ وتذكرين له الآية أو الحديث، وهذا أرفق وألطف من قولك له: ولكن رأيك هذا خطأ وكلامك غلط .
– ابدئي اعتراضك بالثناء على عقل زوجك وسداد رأيه عامة، أو ما في رأيه الذي أبداه من إيجابيات ثم انتقلي بلطف إلى ما تعتقدين أنه مخالف للصواب.
– يمكن أيضا أن تبدئي اعتراضك بقولك : لعلك تريد أن تقول كذا، أو: لاأدري إذا كنتُ قد فهمتُ ما تريده من كلامك… وهكذا.
وفقك الله إلى موافقة زوجك، وقلة مخالفته، تجنُّبًا لشجارات كثيرة قد تُفضي إلى نزاعات مريرة.