شخصيات

الإمام مالك بن أنس (إمام دار الهجرة) (93 هـ – 179 هـ)

المولد والنشأة:

الإمام مالك هو الإمام المشهور، أكمل العقلاء، وأعقل الفضلاء في زمانه، أبو عبدالله مالك بن أنس بن مالك بن عمرو بن الحارث .. ينتهي نسبه إلى يعرب بن يشجب بن قحطان الأصبحي.

ولد في عام 93 هـ ، في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة.

نشأ الإمام مالك في بيت اشتغل بتعلم ورواية أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة التي كانت مهد السنن وموطن الفتاوى المأثورة، وأسرة الأمام مالك أسرة علم وفضل، وقد سبقه إلى هذا الفضل أخوه النضر بن أنس، الذي كان حريصا على الالتزام مع الفقهاء والتلقي عنهم، وكان معروفا بينهم، حتى كان الإمام مالك يُعرف بأخي النضر، فيقال له: هذا أخو النضر.

ولكن بالهمة ومع الصبر والاستمرار استطاع الإمام مالك أن يتجاوز أخاه النضر، ويصبح النضر يقال له: أخو مالك .. فالقضية ليست قضية سبق بالزمن، ولكنها سبق بالهمم.

البيئة العلمية في عهد الإمام مالك:

كانت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم تعج بالعلماء والتابعين، ولم يكن في ذلك الوقت مدارس ولا جامعات، بل كان العلم ينطلق من المسجد، فالمسجد مكان صنع الحضارات، مكان انطلاق النور، وكانت الجامعة الكبرى حيث الحلقات العلمية المتنوعة هي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

عاش بالمدينة على عهد الإمام مالك نحو أربعين فقيها من الفقهاء الكبار والأئمة الأعلام، وبناء على ذلك كان الإمام يميز عمل أهل المدينة، ويرجح رأيهم لكثرة الصحابة والفقهاء فيها، ومن هنا جاءت مسألة (عمل أهل المدينة) في الفقه المالكي، حيث يقدم ما عليه فعل أهل المدينة على بعض الأدلة الأخرى.

  • من شيوخ الإمام مالك رضي الله عنه:
  • ربيعة الرأي رضي الله عنه:

وهو ربيعة بن أبي عبدالرحمن فرّوخ، ويكنى أبا عثمان.

هو أول شيوخ مالك، كان عالما متميزا، أخذ عنه مالك فقه الأثر والرأي، وقد كان ربيعة أحد الفقهاء الذين تلقوا العلم على الفقهاء السبعة، وكان يأخذ بعمل أهل المدينة إذا وجدهم على أمر قد اتفقوا عليه، ومن هنا كان الإمام مالك لديه ميل شديد لعمل أهل المدينة اقتداء بأستاذه الكبير ربيعة الرأي.

  • عبدالرحمن بن هرمز:

هو عبدالرحمن بن هرمز الأعرج أبو داود المدني، مولى ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، وهو من التابعين، روى عن أبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.

وقد قال مالك في ملازمته لابن هرمز: كنت آتي ابن هرمز بكرة، فما أخرج من بيته حتى الليل.

ومن الأمور العظيمة التي تلقاها الإمام مالك عن ابن هرمز قول: (لا أدري)، فمع المكانة العلمية العالية التي كانت لابن هرمز كان يؤثر الأناة وطول التفكير قبل القول في أي مسألة، وكان أحيانا بعد طول التفكير يقول: لا أدري.

  • نافع مولى ابن عمر:

وهو نافع بن جرجيس الديلمي، المحدث المشهور باسم نافع مولى ابن عمر، وقد كان عبدا وحرره عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وقد كان حاد الطبع لا يحب أن يسأله أحد عن قضايا العلم إلا في حلقة العلم، والإمام مالك كان صغيرا لا يُتاح له أن يسأل بحضور الكبار، فاضطر إلى حيلة لطيفة يصفها بقوله: “كنت آتي نافعا نصف النهار وما تطلني الشجرة من الشمس أتحين خروجه، فإذا خرج أتبعه كأن لم أره، ثم أتعرض له فأسلم عليه، ثم أتركه حتى إذا دخل المسجد دخلت عليه مرة ثانية فأقول: ما رأي ابن عمر في كذا وكذا؟ فيجيبني، ثم احتبس عنه.

  • الإمام ابن شهاب الزهري:

وكذلك كان الشاب مالك يحرص على الذهاب إلى عالم جليل وإمام من الأئمة الأعلام هو الإمام ابن شهاب الزهري، ويتحرى ساعات فراغه.

وكان الزهري كثير القراءة، دائم الاطلاع، له مكتبة خاصة في البيت يكثر من لنظر فيها، وقد كان الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز يقدره حق قدره، حتى قال فيه: عليكم بابن شهاب، فإنكم لا تجدون أعلم بالسنة الماضية منه.

والحق أن الزهري كان أعظم شيوخ مالك أثرا فيه.

  • السمات الشخصية للإمام مالك رضي الله عنه:

كان مالك من أحسن الناس وجها، قال أحد تلاميذه  في وصفه: “كان طويلا، جسيما، عظيم الهامة، أشقر الشعر في صفرة، ولما كبر صار أبيض الرأس واللحية، شديد البياض، أعين (واسع العينين)، حسن الصورة، أشم الأنف، عظيم اللحية تبلغ صدره، ذات سعة وطول، وكان يأخذ من أطراف شاربه ولا يحلقه، ولا يحفيه، ويرى حلقه من المُثلة (تشويه خلق الله)، ويترك له سبلتين طويلتين (أطراف الشوارب النازلة إلى الذقن) ويحتج بفتل عمر لشاربه إذا أهمه أمر”.

  • صفاته العلمية:

الذاكرة القوية – الصبر والإرادة – الإخلاص – الفراسة – المهابة

  • العلاقة مع الدولة:
  • قبل الإمام مالك أعطيات الخلفاء ولم ير حرجا فيها، بخلاف الإمام أبي حنيفة الذي كان يرفضها ويأباها.
  • ما كانت أعطيات الخلفاء لتذل الإمام مالكا، بل كان يتعامل معهم بكل عزة ووقار، وللعلماء في التعامل مع هدايا وأعطيات الخلفاء والحكام مناهج مختلفة، والمهم هو صفاء الدين والعلم، ولا ندخل في النيات.
  • إن قبل الإمام مالك الأعطيات فإنما يقبلها وهو يعز العلم، وبذلك يفرض احترام العلم والعلماء حتى على الحكام.
  • وقف الإمام مالك من الخلفاء موقف الاستاذ الناصح، ولم يتضاءل أمامهم، عرف قدر علمه وكرامته، فنال احترامهم وتقديرهم، ورفض أن يأتيهم، بل هم يأتونه تقديرا واحتراما للعلم.
  • أرسل الخلفاء أولادهم إلى المدينة ليتلقوا العلم على يد الإمام مالك، وكان الإمام عزيزا أمامهم.
  • كان الإمام مالك إذا سُئل عن شئ أجاب دون أن يخشى أحدا، وكانت فتاواه الفقهية لها آثار سياسية واسعة، مما أخاف الحكام، وأدى إلى ابتلاء الإمام ليرجع عن آرائه.
  • ثبات الإمام مالك أجبر الخليفة على التراجع لالتفاف الناس حول العالم.
  • اعتذر أبو جعفر المنصور من الإمام مالك، واسترضاه، وأمر عماله بطاعته، وطلب من الإمام مراقبتهم.
  • بعض تلاميذ الإمام مالك رضي الله عنه:
  • عبدالرحمن بن القاسم: وهو أشهر تلاميذ الإمام مالك، صحبه عشرين سنة، ويعتبرونه صاحب كتاب (المدونة) وهو الحجة الأولى في المذهب المالكي بعد الإمام مالك.
  • عبدالله بن وهب: وكان الإمام مالك يحبه حبا شديدا ويلقبه بالفقيه، صحبه عشرين سنة، واهتم به الإمام مالك اهتماما خاصا، فصار ابن وهب من أعظم علماء المذهب.
  • أشهب بن عبدالعزيز القيسي: وهو من أكبر أصحاب الإمام مالك.
  • عبدالله بن عبدالحكم: وهو أعلم أصحابه بمختلف قوله، وكان صديقا للشافعي، وإليه أفضت الرئاسة في مصر بعد أشهب.
  • أسد بن الفرات: وهو فقيه، وقائد للحملة على صقلية، واستشهد عندها، وقد تلقى الفقه المالكي من الإمام مالك، والفقه الحنفي من محمد بن الحسن وأبي يوسف، فكان من علماء المذهبين.
  • عبد الله بن الماجشون: كان فقيها فصيحا، وعليه دارت الفتيا في زمانه إلى موته.
  • وفاة الإمام مالك رضي الله عنه:

توفي الإمام مالك رحمه الله بعد هذا العمر الطويل، فمات وعمره 92 سنة، أمضاها في تعلم العلم وتعليمه، وصار نموذجا فريدا وقدوة متميزة ومثالا عظيما لكل من أراد السير في طريق العلم.

المصدر: كتاب الإمام مالك – سلسلة الأئمة المصورة

المؤلف: د. طارق السويدان

الناشر: شركة الإبداع الفكري للنشر والتوزيع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق